هل بدأت السلطة وأجهزتها في حضرموت تُصاب بفوبيا الميديا؟

تكاد العلاقة الساخنة بين السلطات الحكومية وأجهزتها في العالم أجمع وبين الصحافة والصحفيين ووسائل الميديا تكون مستمرة دون انتهاء، والحديث عن حرية الصحافة وتبادل الاتهامات غالبًا هي العناوين الأبرز في كل عام، وهذا الأمر يدل على خلل في فهم العلاقة من أحد الطرفين أو كلاهما.
وسخونة العلاقة بين الطرفين ليست حكرًا على الدول النامية فحسب بل حتى على مستوى الدول المتقدمة، ولكن التعامل حتمًا يختلف بين الدول الديمقراطية المتقدمة التي تتمتع بهامش الحرية والشفافية الأعلى عن غيرها من الدول النامية التي تتعامل بشكل قد يصل إلى حد العنف أو الخطف أو الاعتقال أو القتل للصحفيين بسبب حقه في التعبير عن رأيه تحت مضلته القانونية المسموح بها.


وحول ذلك يشير الدكتور محمد قيراط بالقول: الفرق الواضح ما بين المجتمعات المتقدمة او الديمقراطية او المجتمعات التي تتمتع بمجتمع مدني وقوى مضادة، والمجتمعات النامية او غير الديمقراطية هو وجود اطر وهياكل وثقافة لصحافة الاستقصاء والمؤسسة الاعلامية كسلطة رابعة في المجتمعات المتقدمة وانعدام هذه المستلزمات في الدول النامية. (https://cutt.us/xgFYd، 2002).
وفي حضرموت مؤخرًا، تزايدت أصوات جملة من الصحفيين الناقدة من طرف والسلطة المحلية وأجهزتها من طرف آخر، تزايدت معها حدة الاعتقالات والاستجوابات والتوقيفات والملاحقات للصحفيين، مما جعل الوضع العام للعلاقة بين الطرفين تزداد سخونة دون تعليق أو تبرير أو إبداء للأسباب في مواقف متعددة من طرف السلطة أو أحد أجهزتها كطرف أساسي في تلك العلاقة، وهو ما يملي علينا سؤالًا منطقيًا: هل بدأت السلطة وأجهزتها في حضرموت تُصاب بفوبيا الصحافة أو فوبيا الميديا؟
ومن موقعنا كباحثين في مجال الصحافة والميديا، وللإجابة عن ذلك التساؤل لا بد لنا أن نتطرق بموضوعية إلى الجوانب العامة والقانونية التي تؤطر عمل الصحفي والمؤسسات الصحفية في حضرموت وحدوده القانونية في التعامل مع الحقوق والواجبات وخاصة مع السلطة وأجهزتها المختلفة، للتوصل إلى ما إذا كان التعامل يجيب عن تساؤلنا بتأكيده أو ينفيه، مع الانتهاء ببعض الاستنتاجات والاقتراحات التي يمكن لها معالجة هوّة الإشكالية.
وتأتي هذه المقالة من منظور بحثي تساؤلي ليس هدفها معاداة أو محاباة طرف عن آخر، بل هي تفسير لحالة إشكالية واردة، تهدف إلى تسليط الضوء عنها والتعامل معها بمنظار الباحث الناقد للوصول إلى نتيجة منطقية عامة تصب في مصلحة الجميع.

السلطة وعلاقتها بالميديا:
السلطات في حضرموت بجميع محافظيها ووكلائها السابقين والحاليين وأجهزتها المختلفة تضع الصحفيين ومعهم الصحافة ووسائل الميديا بعين الاعتبار، إذ تبادر غالبًا منذ صعود المسؤولين فيها إلى دعوة الصحفيين والقائمين على المؤسسات الصحفية ووسائل الميديا إلى لقاء موسع بهدف تبيان بعض الأمور، أو على الأقل عقد مؤتمر صحفي للحديث إلى تلك الفئة أو الوسائل.
وهذا الأمر يضم في طياته احتمالين أساسيين من وجهة نظرنا كباحثين، الأول يتمحور في أن السلطة في حضرموت وأجهزتها لديها فعلًا ما تريد قوله وتوضيحه إلى الرأي العام، ويكون بذلك الصحفيين ووسائل الميديا هي الطريق الأنسب لذلك، لما يتمتعون به من خصائص وإمكانيات تؤهلهم إلى إيصال ذلك الأمر إلى أفراد المجتمع، وفي هذه الحالة يجب أن تتعامل السلطة مع أولئك الصحفيين ووسائل الميديا على أنهم شركاء لتأدية المهمة بكل شفافية وموضوعية وحرية، وليسوا تابعين لها يمارسون دور العلاقات العامة والدعاية وتحسين صورة السلطة أمام المواطن في حضرموت، ولا شك بأن هناك فرق شاسع بين التعامل بوصف الشريك والتعامل بوصف التابع.
الاحتمال الثاني يتمحور في أن السلطة في حضرموت وأجهزتها تحاول جذب الصحفيين والصحافة ووسائل الميديا إلى صفها، يقينًا منها بأن هذه الفئة مجرد عناصر عاملة ومجبرة على العمل تحت سقف السلطة، وأنها لا بد أن تقوم بدور المكلّف بالاتصال والعلاقات العامة في مجال تحسين صورتها، من قبيل نشر أخبارها وتحركاتها وافتتاحاتها وانعقاد اجتماعاتها دون التطرق لبقية القضايا إلا من زاوية نظر السلطة نفسها، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في معرفة من هو الصحفي وما هو دوره ومهمته في مجال عمله.
وهذا الأمر يحيلنا إلى النص القانوني لتعريف الصحفي، حيث يعرّف القانون اليمني رقم (25) لسنة 1990 بشأن الصحافة والمطبوعات في المادة (2) من الباب الأول الصحفي بأنه: “من يمارس بصفة مستمرة مهنة الصحافة المقروءة أو المسموعة أو المرئية أو في وكالة أنباء يمنية أو أجنبية تعمل في اليمن وذلك كمورد رئيسي للرزق”.
وعرّف القانون ذاته الصحافة بأنها: “مهمة البحث عن الحقائق والمعلومات والأخبار وجمعها وكتابة أو ترجمة المقالات والأعمدة والتحقيقات والتحليلات وإعداد البرامج والتعليقات والرسم الكاريكاتيري والتصوير والإخراج الصحفي والمراجعة وكتابة العناوين عبر وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية”.
في حين تم تعريف الصحيفة من ذات المادة والباب: “كل جريدة أو مجلة تصدر بإسم واحد بصفة دورية في مواعيد منتظمة بقصد التداول العام”. ووكالة الأنباء بأنها: “مؤسسة صحفية تتولى رصد الأخبار والبحث عنها وإعداد التقارير الإخبارية وإنتاج التحقيقات والتحليلات المكتوبة والمصورة وبثها عبر وسائل متعددة”.
ووفقًا لهذه التعريفات القانونية ومناظرتها مع احتمالنا الثاني الذي أوردناه سابقًا مما إذا كانت السلطة وأجهزتها في حضرموت تريد الصحفيين والصحافة ومؤسسات الميديا تابعًا لها فإن هوّة الإشكالية حتمًا ستتسع بين الجانبين، وستصبح الصحافة والميديا والعاملين بهما بمثابة “الفوبيا” التي تؤرق السلطة وأجهزتها عند تسليطها الضوء حول مشكلة معينة سواء اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية أو أمنية، أو تغطيتها لمظاهرة أو احتجاج ما أو التعبير عن رأي قد يتصادم مع تلك السلطة أو أحد أجهزتها، وهو الأمر الذي سيدعوها حتمًا لاتخاذ قرار سريع نحوها قد يختلف اسلوبه بين النصح الهادئ والعقلاني أو ربما العنف والاعتقال والمطاردة.
إن العلاقة بين مكوّن السلطة وأجهزتها ومكوّن الصحافة ووسائل الميديا والصحفيين لا بد وأن تكون واضحة، وأن يفهم كل منهما دوره الحقيقي المناط منه تجاه المواطن وميثاق مهنته، ويؤكد على ذلك الدكتور نبيل الشريف بقوله: “في الوقت الذي ينبغي التأكيد فيه على أن الصحافة والحكومات ليسوا أعداء طبيعيين بالضرورة (كالقط والفأر مثلًا) إذ أن لكل منهما – من الناحية النظرية على الأقل – دورًا يقوم به لخدمة المجتمع ومصالح الناس، فإن من الضروري القول أيضًا أن على الصحافة الحرة أن تحافظ على مسافة بينها وبين الحكومات وألا تقترب من الحكومة بالقدر الذي يترك الانطباع بأنها جهاز من الأجهزة الحكومية”. (التحري الصحفي، 2005، 84).


السلطة والصحافة والصحفيين في حضرموت:
يُثار بين الفينة والأخرى غبار العراك بين السلطة أو أحد أجهزتها وبين الصحفيين والمؤسسات الصحفية ووسائل الميديا في حضرموت واليمن عامة، وتطفو على السطح مشكلات العلاقة الحذرة بين الجانبين، إذ ينتهي الحال بالسلطة أو أحد أجهزتها أحيانًا إلى اعتقال الصحفيين أو اختطافهم أو تعنيفهم إما باللفظ أو الاعتداء عليهم جسديًا، أو حتى إغلاق مؤسساتهم الصحفية دون إبداء الأسباب أو لأسباب واهية في كثير من المواقف، وهو ما يجعلنا نتساءل عن أسباب ذلك، بل التساؤل الأهم: هل بدأت أعراض “فوبيا الصحافة” أو “فوبيا الميديا” تظهر على السلطة وأجهزتها في حضرموت أم أن الصحفيين هم من تجاوزوا خطوط ومواثيق المهنة؟
وبالنظر إلى عدد من الحالات – على سبيل المثال – التي تم فيها اعتقال أو توقيف الصحفيين في حضرموت أبرزهم عبدالله بكير (مازال معتقلًا)، عوض كشميم، صبري بن مخاشن، نسيم الحامد، باسل بامعس، معتز النقيب، زكريا محمد، وهالة باضاوي (تم الإفراج عنهم بعد تفاوت في مدة اعتقالاتهم بين يومين إلى 50 يوم)، ومحمد اليزيدي مُلاحق لما يقارب من 4 أشهر، فإن السلطة وأجهزتها لم تعطِ مبررات واضحة عن سبب اعتقالهم أو توقيفهم خاصة للصحفيين الذين تم الإفراج عنهم أو مازالوا ملاحقين، في حين أنها أبقت بكير دون محاكمة لفترة طويلة من الزمن أو تبيين لمستقبله القانوني، وبعد مطالبات أفاد الناطق باسم المنطقة العسكرية الثانية أن بكير سيحاكم عسكريًا لارتكابه مخالفة عسكرية كونه منتسب للمنطقة العسكرية الثانية، وتُجرى حاليًا محاكمته، ووفق منظمة مراسلون بلا حدود https://rsf.org/ar/lymn فإن اليمن بشكل عام تأتي في المرتبة (167) في نسخة 2020 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، فيما أشار تقرير لمرصد الحريات الإعلامية https://cutt.us/Me9m3 أن حضرموت بها (15) انتهاكًا ضد الحريات الإعلامية خلال العام 2020.
بشكل عام وناهيك عن هذه الحالات، فإن عودتنا كباحثين للنظر في عمل الصحفيين نجد أن القوانين المحلية والدولية قد كفلت حقهم في حرية التعبير والوصول إلى المعلومة، وقد ورد في القانون اليمني رقم (25) لسنة 1990 في الباب الثاني تحت مسمى “شروط العمل الصحفي وحقوق وواجبات الصحفيين وشروط عمل الصحفيين العرب والأجانب”، أورد الفصل الثاني (14) مادة تسرد تلك الحقوق والواجبات، ومن بين الحقوق: “للصحفي الحق في الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات من مصادرها وله حق نشرها أو عدم نشرها والاحتفاظ بسرية مصادر معلوماته ولا يجوز إجباره على إفشاء مصادره طبقًا لأحكام هذا القانون”، وكذلك: “للصحفي حق الإطلاع على التقارير الرسمية والحقائق والمعلومات والبيانات وتلزم الجهة المتوفرة لديها بتمكينه من الاطلاع عليها والاستفادة منها”.
أما الواجبات فمن بينها: “يلتزم الصحفي بشرف المهنة ومواثيق العمل الصحفي ويعتبر إخلالًا بها تهديد المواطنين بأي صفة عن طريق الصحافة”، أيضًا: “يمتنع الصحفي عن نشر المعلومات غير الموثوق بصحتها أو تشويه المعلومات الصحيحة أو نسبة أقوال أو أفعال إلى شخص أو جهة دون التحقق من صحة نسبتها، بالإضافة إلى أقوال صادرة عن شخص أوجهة دون الرجوع إليها”، وكذا: “يلتزم الصحفي بالامتناع عن استغلال مهنته لأغراض ومنافع شخصية غير مشروعة ولا يجوز له ابتزاز الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة بغرض الحصول على فائدة مالية أو منفعة خاصة له أو للغير”.
أما عالميًا فإن المادة (19) للإعلان العالمي لحقوق الإنسان https://cutt.us/oS0eD الصادر بباريس في 10 ديسمبر 1948 تنص على أن: “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.
ووفق هذه المنظومة القانونية وعدم وضوح الأسباب من قبل السلطة أو أحد أجهزتها في حضرموت تجاه تعاملها أحيانًا مع الصحفيين، يحيلنا إلى إعادة شطر التساؤل السابق: هل بدأت أعراض “فوبيا الصحافة Pressphobia” أو “فوبيا الميديا Mediaphobia” تظهر على السلطة وأجهزتها في حضرموت؟

إذن.. ما الفوبيا وفوبيا الميديا؟
لمعرفة مصطلحي “فوبيا الصحافة” أو “فوبيا الميديا” بوضوح، يجب أولًا معرفة ما يعنيه مصطلح “الفوبيا” وتعريفه، فالـ “الفوبيا” لفظة استُخلصت من اليونانية φόβος بالمعنى ذاته، وتعني الرُّهاب https://cutt.us/jq2WW. وأورد قاموس المورد الحديث تعريفًا للرُّهاب؛ الفوبيا (Phobia): خوف أو هلع مرضي من شيء معين أو طائفة من الأشياء معينة. (منير البعلبكي، https://cutt.us/HoYyK، ص 859).
إذن هو الرُّهاب والخوف والذعر من شيء معين يكون له تأثيره على نفسيته حين يراه المصاب، وقد لا يطيقه في حياته ويتمنى زواله باعتباره حاجزًا يؤرق استمتاعه بحياته أو يجد فيه عائقًا لمصلحته، مما ينعكس عليه بالسلب وربما تكون ردة فعله عنيفة تجاه ذلك الشيء.
والرُّهاب (Phobia) هو رد فعل متسم بالخوف المفرط وغير العقلاني، ويشعر المعاني من الرُّهاب بإحساس عميق بالفزع أو الذعر عندما يواجه مصدر خوفه، ويمكن أن يكون الخوف من مكان أو موقف أو شيء معين، على عكس اضطرابات القلق العامة، فالرُّهاب عادة ما يرتبط بشيء محدد. (Andrea Wodele، https://cutt.us/ImCmn، 2019).
وتتوزع الفوبيا أو الرُّهاب إلى العديد من الأنواع كما يبينها المختصون. وتصنف الاضطرابات الرُّهابية (حالات الخوف التي تعتبر اضطرابات نفسية) إلى ثلاثة أنواع: الخوف من الأماكن المفتوحة (agrophobia) هو الخوف الشائع والأكثر خطورة، الرُّهاب الاجتماعي، والرُّهاب البسيط. (https://cutt.us/C2KsI).
ونحن في موضوعنا هذا يهمّنا أساسًا النوع الثالث وهو الرُّهاب البسيط. فهو مرتبط بالخوف من شيء معين، مثل حيوان أو الخوف من حالات معينة، مثل الخوف من المرتفعات أو الخوف من الأماكن المغلقة. (https://cutt.us/C2KsI).
ويمكننا أن نضع بين هذه الحالات فوبيا/ رُهاب الصحافة “Pressphobia” أو فوبيا/ رُهاب الميديا “Mediaphobia”، ورغم أن تعريف “فوبيا الميديا Mediaphobia” في أساسه يعني: الخوف من وسائل الإعلام، إذ يتجنب المصابون مشاهدة التلفاز وقراءة الصحف والاستماع إلى الراديو وتصفح الإنترنت. ونتيجة لذلك، قد يشعر المصابون بـ (رُهاب الميديا) بأنهم منفصلون عن الواقع. (https://cutt.us/I9ym8). إلاّ أن وضعية المصطلح وفي ذات الإطار ربما يمكننا أيضًا إسقاطها من زاوية أخرى من حيث تعامل بعض المسؤولين أو أجهزة السلطة مع الصحافة والميديا والعاملين بهما ورُهابهم وخوفهم الشديد من تلك الفئة، نعتقد بأنه خوفًا منها أن تصل الصحافة ووسائل الميديا إلى موضع فاصل يقف أمام السلطة أو أحد أجهزتها وأمام مصالحها التي قد تختلف مع مصالح المجتمع والمواطن، ونجد مؤخرًا أن تعامل السلطة أو أحد أجهزتها في حضرموت أحيانًا مع الصحفيين يصب في ذلك الاتجاه، مما يجيب عن تساؤلنا بالفعل بأن السلطة وأجهزتها في حضرموت وفقًا لذلك الإسقاط المنطقي ومؤشرات خوفها من الصحفيين والصحافة أو وسائل الميديا كشيء محدد يهدد مصالحها أو يقف حجر عثرة في طريقها بأنها بدايات فوبيا الميديا، رغم أنه من حق الصحفي الوصول إلى المعلومة وامتلاك مصادره الحقيقية والتعبير عن رأيه في ظل الإطار القانوني دون التعرض له.
وحول ذلك النوع من الفوبيا بشكل عام يقول محمد البلادي أن: “هذا الخوف المَرضي من الإعلام سببه في الغالب تركيبة كريهة من الخوف والضعف الذي قد يتملك المسؤول (بسبب أخطاء يخشى انكشافها)، بالإضافة إلى نسبة مماثلة من الغرور والتسلط الذي يتسلل إليه بسبب موقعه، لذا تجد معظم المصابين بهذا الداء يعتقدون أن في إبعاد الإعلاميين عن دائرتهم حماية لهم ولكراسيهم.. ولا يعلمون أنهم يشيرون إلى أنفسهم؛ على طريقة (كاد المريب أن يقول خذوني)”. (https://cutt.us/8hR3B، 2019).

سلطات للخدمة لا للسيطرة على بعضها:
إن السلطة الحكومية وأجهزتها و”سلطة الصحافة” كما يحب البعض تسميتها نسبة إلى أحد مسمياتها “السلطة الرابعة” هما بالأساس سلطات أسست لخدمة المواطن، ولكل منهما دوره ومهمته في الحياة تجاه الآخر وتجاه المواطن، وليس كل منهما ملك للآخر أو له الأحقية بالسيطرة عليه وكتم صوته ومصادرة حقه في التعبير عن رأيه أو نقل معاناة وحقوق المواطنين أو النشر والكذب بغير وجه حق أو دليل، فالصحافة في أساسها رقيب على السلطة، إذ تُعتبر “المراقبة” أهم وظائف الصحافة إلى جانب عدد آخر من الوظائف، والسلطة وأجهزتها يتمحور دورها في حفظ وتسهيل الحياة المعيشية والأمن للمواطن، وتوفير وتأمين احتياجاته الأساسية من المأكل والمشرب والمسكن وغيرها من أسس العيش المتماشي مع دخله العام دون عناء، كما أن الصحافة في أساسها ليست منزهة عن المحاسبة كونها سلطة ولا شك أن السلطة يتم محاسبتها كما يؤكد ذلك منصف المرزوقي: “الصحافة هي اليوم السلطة الرابعة، فعليها القبول بأن تحاسَب هي الأخرى على طريقة ممارستها لسلطتها، إذ لا توجد سلطة دون مسؤولية ومن ثَمّ محاسبة”. (https://cutt.us/ky6KB، 2018)، ولكن هذه المحاسبة يجب أن تكون بوضوح وضمن أفق القانون وليس تهجمًا عليها أو على أحد منتسبيها كونه عبّر عن رأيه أو بادر إلى تغطية حدث ما أو أراد الوصول إلى معلومة ما كفلها له القانون المحلي والدولي.
إذن هي معادلة نسبية منطقية، فحين تقوم الصحافة ووسائل الميديا والصحفيين بدورهم الحقيقي في المراقبة بمهنية دون الإخلال بشرف المهنة، وتقوم السلطة وأجهزتها بدورها الحقيقي المناط منها في التعامل مع الصحافة والصحفيين ووسائل الميديا على أساس الشراكة والعمل وفق القانون الذي يمنح تلك الفئة حرية التعبير واستقاء المعلومة وليس على أساس التبعية وتحريم المخالفة، لا شك بأن هوّة المشكلة ستتقلص ودرجة الفوبيا ستقل كثيرًا، مما سينتج بقعة أرضية سويّة في هذا العالم الواسع.

You may also like

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *